سورة النساء - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله عز وجل: {وإذا ضربتم في الأرض} يعني إذا سافرتم فيها {فليس عليكم جناح} أي حرج وإثم {أن تقصروا من الصلاة} يعني من أربع ركعات إلى ركعتين وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء، وأصل القصر في اللغة التضييق وقيل هو ضم الشيء إلى أصله. وفسر ابن الجوزي القصر بالنقص ولم أره لأحد من أهل التفسير واللغة وقيل معنى قصر الصلاة جعلها قصيرة بترك بعض ركعاتها أو بعض أركانها ترخيصاً ولهذا السبب ذكروا في تفسير قصر الصلاة المذكورة في الآية قولين: أحدهما أنه في عدد الركعات وهو رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين والقول الثاني أن المراد بالقصر إدخال التخفيف في أدائها وهو أن يكتفي بالإيماء والإشارة عن الركوع والسجود. والقول الأول أصح ويدل عليه لفظة من في قوله أن تقصروا من الصلاة ولفظه من هنا للتبعيض وذلك يوجب جواز الاقتصار على بعض الصلاة فثبت بهذا أن تفسير القصر بإسقاط بعض ركعات الصلاة أولى {إن خفتم أن يفتنكم} يعني يغتالكم ويقتلكم في الصلاة {الذين كفروا} ذهب داود الظاهري إلى أن جواز القصر مخصوص بحال الخوف واستدل على صحة مذهبه بقوله تعالى: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ولأن عدم الشرط يقتضي عدم المشروط فعلى هذا لا يجوز القصر عند الأمن ولا يجوز رفع هذا الشرط بخبر الآحاد لأنه يقتضي نسخ القرآن بخبر واحد، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن القصر في حال الأمن في السفر جائز ويدل عليه ما روي عن يعلى بن أمية. قال: قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» أخرجه مسلم وعن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لابن عمر كيف تقصرون الصلاة وإنما قال الله تعالى ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقال ابن عمر يا ابن أخي: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن في ضلال فعلنما فكان فيما علمنا أن أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر». أخرج النسائي وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين فصلى ركعتين أخرجه الترمذي والنسائي وأجاب الجمهور عن قوله تعالى إن خفتم أن كلمة إن تفيد حصول الشرط ولا يلزم عند عدم الشرط عدم المشروط فقوله تعالى: {إن خفتم} يقتضي أن عند عدم الخوف لا تحصل رخصة القصر.
وإذا كان كذلك كانت الآية ساكتة عن حال الأمن فإثبات الرخصة حال الأمن بخبر الواحد يكون إثباتاً لحكم سكت عنه القرآن وذلك غير ممتنع إنما الممتنع إثبات الحكم بخبر الواحد على خلاف ما دل عليه القرآن. فإن قلت إذا كان هذا الحكم ثابتاً في حال في حال الأمن والخوف؛ فما فائدة تقييده بحال الخوف؟ قلت إنما نزلت الآية على غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم وأكثرها لم يخل عن خوف العدو فذكر الله عز وجل هذا الشرط من حيث إنه الأغلب في الوقوع. وقوله تعالى. {إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً} أي ظاهر العداوة فلعلمي بهذا رخصت لكم في قصر الصلاة لئلا يجدوا إلى قتلكم واغتيالكم سبيلاً وإنما قال عدواً ولم يقل أعداء لأنه يستوي فيه الواحد والجمع.

فصل في أحكام تتعلق بالآية وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في حكم القصر قصر الصلاة في حالة السفر جائز بإجماع الأمة وإنما اختلفوا في جواز الإتمام في حال السفر فذهب أكثر العلماء إلى أن القصر واجب في السفر وهو قول عمر وعلي وابن عمر وجابر وابن عباس وبه قال الحسن وعمر بن عبد العزيز وقتادة وهو قول مالك وأبي حنيفة ويدل عليه ما روي عن عائشة قالت فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى. وفي رواية أخرى قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر أخرجاه في الصحيحين وذهب قوم إلى جواز الإتمام في السفر، ولكن القصر أفضل يروى ذلك عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وإليه ذهب الشافعي وأحمد وهو رواية عن مالك أيضاً. ويدل على ذلك ما روى البغوي بسند الشافعي عن عائشة قالت: كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر وأتم وعن عائشة أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت؟ قال أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ أخرجه النسائي وظاهر القرآن يدل على ذلك لأن الله تعالى قال فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ولفظة ولا جناح إنما تستعمل في الرخصة لا فيما يكون حتماً، وأجيب عن حديث عائشة فرض الله الصلاة ركعتين بأن معناه فرضت ركعتين أولاً وزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتم وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار عليها وثبت جواز الإتمام بدليل آخر فوجب المصير إليه ليمكن الجمع بين الأحاديث ودلائل الشرع.
المسألة الثانية: اختلف في صلاة المسافر إذا صلى ركعتين ركعتين هل هي مقصورة أم غير مقصورة فذهب قوم إلى أنها غير مقصورة وإنما فرض صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله وإليه ذهب سعيد بن جبير والسدي وأبو حنيفة فعلى هذا يكون معنى القصر المذكور في الآية هو تخفيف ركوعها وسجودها.
وقد تقدم الجواب عنه وذهب قوم إلى أنها مقصورة وليست بأصل، وهو قول مجاهد وطاوس، وإليه ذهب الشافعي وأحمد.
المسألة الثالثة: ذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور، إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وشرط بعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد أو سفر طاعة، ولا يجوز القصر في سفر المعصية، وقال أبو حنيفة والثوري يجوز ذلك.
المسألة الرابعة: اختلف العلماء في مسافة القصر فقال داود أهل الظاهر يجوز القصر في قصير السفر وطويله وروي ذلك عن أنس أيضاً وقال عمرو بن دينار قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة. وأما عامة أهل العلم فإنهم لا يجوزون القصر في السفر القصير واختلفوا في حد الطويل الذي يجوز فيه القصر. فقال الأوزاعي مسيرة يوم وكان ابن عمرو وابن عباس يقصران ويفطران في مسيرة أربعة برد هي ستة عشر فرسخاً وإليه ذهب مالك وأحمد وإسحاق وقول الحسن والزهري قريب من ذلك فإنهما قالا مسيرة يومين، وإليه ذهب الشافعي فقال مسيرة ليلتين قاصدتين ستة عشر فرسخاً كل فرسخ ثلاثة أميال فتكون ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون أصبعاً معترضة معتدلة والأصبع ست شعيرات معترضات معتدلات، وقال الثوري وأبو حنيفة وأهل الكوفة لا قصر في أقل من ثلاثة أيام.

فصل:
قيل قوله تعالى: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} كلام متصل بما بعده منفصل عما قبله وتقديره وإن خفتم روي عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال نزل قوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} هذا القدر ثم بعد حول سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الخوف فنزل: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً وإذا كنت فيهم} الآية ومثل هذا في القرآن كثير يجيء الخبر بتمامه ثم ينسق عليه خبر آخر هو في الظاهر كالمتصل به وهو منفصل عنه.


قوله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية روي عن ابن عباس وجابر أن المشركين لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قاموا إلى الظهر يصلون جميعاً ندموا أن لا كانوا أكبوا عليهم فقال بعضهم لبعض دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم يعني صلاة العصر فإذا قاموا فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنها صلاة الخوف وإن الله عز وجل يقول إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فعلمه صلاة الخوف وروي عن أبي عياش الزرقي في سبب نزول هذه الاية. قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلّينا الظهر فقال المشركون لقد أصبنا غرة وفي رواية غفلة ولو حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت الآية بين الظهر والعصر قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم} هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني وإذا كنت يا محمد في أصحابك وشهدت معهم القتال فأقمت لهم الصلاة {فلتقم طائفة منهم معك} يعني إذا حان وقت الصلاة وأقمتها لأصحابك فاجعلهم فرقتين فلتقف فرقة منهم معك فتصلّي بهم {وليأخذوا أسلحتهم} اختلفوا في هؤلاء الذين أمرهم الله بأخذ السلاح فقيل أراد بهم الذين قاموا معه إلى الصلاة فإنهم يأخذون أسلحتهم في الصلاة، فعلى هذا القول إنما يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة ولا يؤذي به من إلى جنبه كالسيف والخنجر وذلك لأنه أقرب إلى الاحتياط وأمنع للعدو من الإقدام عليهم فإن كان السلاح يشغل بحركته وثقله عن الصلاة كالترس الكبير أو يؤذي مَن إلى جنبه كالرمح فلا يأخذه. وقيل أراد بهم الطائفة الذين بقوا في وجه العدو فإنهم يأخذون أسلحتهم للحراسة وقيل يحتمل أن يكون أمراً للفريقين بحمل السلاح لأن ذلك أقرب إلى الاحتياط {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} يعني إذا صلّى الذين معك وفرغوا من الصلاة فليكونوا من ورائكم يعني فلينصرفوا إلى المكان الذي هو في وجه العدو وللحراسة {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا} يعني ولتأت الطائفة التي كان في وجه العدو {فليصلّوا معك} الركعة الثانية التي بقيت عليك ويتموا بقية صلاتهم {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} يعني أن الله تعالى جعل الحذر وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي في دفع العدو فلذلك جعله مأخوذاً مع السلاح. فإن قلت لم ذكر في أول الآية الأسلحة فقط وذكر هنا الحذر والأسلحة. قلت لأن العدو قلما ينتبه للمسلمين في أول الصلاة بل يظنون كونهم قائمين في المحاربة والمقاتلة فإذا قاموا على الركعة الثانية ظهر للكفار أن المسلمين في الصلاة فحينئذٍ ينتهزون الفرصة في الإقدام على المسلمين فلا جرم أن الله تعالى أمرهم في هذا الموضع بزيادة الحذر من الكفار مع أخذ الأسلحة {ود الذين كفروا} يعني تمنى الكفار {لو تغفلون} يعني لو وجدوكم غافلين {عن أسلحتكم وأمتعتكم} يعني حوائجكم التي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها {فيميلون عليكم ميلة واحدة} يعني فيقصدونكم ويحملون عليكم حملة واحدة وأنتم مشتغلون بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتعتكم فيصيبون منكم غرة فيقتلونكم.

فصل في أحكام تتعلق بالآية وصفة صلاة الخوف وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو يوسف والحسن بن زياد من أصحاب أبي حنيفة صلاة الخوف كانت خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لغيره بعده فعلها، وقال المزني من أصحاب الشافعي كانت ثابتة ثم نسخت واحتجوا لصحة هذا القول بأن الله تعالى خاطب نبيّه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} وظاهر هذا يدل على أن إقامة الصلاة مشروطة بكون النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فدل على تخصيصه بها ولأن كلمة إذا تفيد الشرط وذهب جمهور العلماء والفقهاء إلى أن هذا الحكم لما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم بحكم هذه الآية وجب أن يثبت في حق غيره من أمته لقوله تعالى: {فاتبعوه} ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ولأن ذلك إجماع الصحابة على فعلها وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه صلّى صلاة الخوف بأصحابه ليلة الهرير وكذلك أبو موسى صلّى بأصحابه بطبرستان وليس لهؤلاء مخالف من الصحابه وأجيب عن قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} بأن هذا وإن كان قد خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فإن سائر أمته داخلون في هذا الحكم فهو كقوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} إلا أن يرد نص بتخصيصه صلى الله عليه وسلم بحكم دون أمته كقوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} ونظير قوله: {وإذا كنت فيهم} قوله: {خذ من أموالهم صدقة} وإذا كان هو المخاطب بها وقد ثبت حكم أخذ الزكاة لمن بعده من الأئمة كان كذلك قوله وإذا كنت فيهم وأجيب عن لفظه إذا: بأن مقتضاه الثبوت عند الثبوت وأما العدم عند العدم فغير مسلم.
المسألة الثانية: قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في ذلك كله ما هو الأحوال للصلاة وأبلغ في الحراسة فهي مع اختلاف صورها متفقة المعنى فمن أنواع صلاة الخوف ما إذا كان العدو في غير جهة القبلة. فرق الإمام أصحابه فرقتين فتقف طائفة وجاه العدو فتحرس ويصلّي بالطائفة الأخرى ركعة فإذا قام إلى الثانية أتموا لأنفسهم وذهبوا إلى وجاه العدو فيحرسون وتأتي الطائفة الثانية التي كانت تحرس فيصلّي بهم الركعة الثانية ويثبت جالساً في التشهد حتى يتموا لأنفسهم الصلاة ثم يسلم بهم ويدل على ذلك ما روي عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوان عمن صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وجاه العدو فصلّى بالتي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم أخرجاه في الصحيحين الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم هو سهل بن أبي حثمة وقد أخرجاه من رواية أخرى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه وذكر نحوه وهذا هو مختار الشافعي لأنه أشد موافقة لظاهر القرآن وأحوط للصلاة وأبلغ في حراسة العدو، وأما كونه أشد موافقة لظاهر القرآن فإن قوله ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك يدل على أن الطائفة الأولى قد صلّت قوله فليصلوا معك ظاهره يدل على أن جميع صلاة الطائفة الثانية حصلت مع الإمام وكونها أحوط لأمر الصلاة من حيث إنه لا يكثر فيها العمل من المجيء والذهاب وكونها أحوط لأمر الحرب والحراسة من حيث إنه إذا لم يكونوا في الصلاة كان أمكن للحراسة والكر والفر والهرب إن احتاجوا إليه وذهب قوم إلى أن الطائفة الأولى تصلي مع الإمام ركعة ثم تذهب إلى وجه العدو فتحرس وهم في صلاتهم ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي مع الإمام الركعة الثانية ويسلم الإمام ولا يسلمون هم بل يذهبون إلى وجه العدو، وترجع الطائفة الأولى إلى موضع الإمام فتقضي بقية صلاتها ثم تذهب ثم تأتي الطائفة الثانية إلى موضع الإمام فتقضي بقية صلاتها يروى ذلك عن ابن مسعود وهو مذهب أبي حنيفة يدل على ذلك ما روي عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قال فكبّر فصلّى خلفه طائفة منا وطائفة مواجهة للعدو فركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا ولم يسلموا وأقبلوا على العدو فصفوا مكانهم وجاءت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بهم ركعة وسجدتين ثم سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تم ركعتين وأربع سجدات ثم قامت الطائفتان فصلّى كل إنسان منهم لنفسه ركعة وسجدتين.
أخرجه النسائي قال أبو بكر السني سمع الزهري من ابن عمر ولم يسمع هذا منه والذي أخرجاه في الصحيحين عن ابن عمر قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك فصلّى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة وفي رواية أخرى قال: صلى رسول الله صلى عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه فقامت طائفة معه وطائفة بإزاء العدو فصلّى بالذين معه ركعة.
وجاء الآخرون فصلى فصلى بهم ركعة وقضت الطائفتان ركعة ركعة وبهذه الرواية المخرجة في الصحيحين أخذ الأوزاعي وأشهب المالكي وهو جائز عند الشافعي أيضاً ثم قيل إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معاً وقيل متفرقين وهو الصحيح والفرق بين الروايتين أن الطائفة الأولى أدركت أول الصلاة وهي في حكم من خلف الإمام. وأما الطائفة الثانية فلم تدرك أول الصلاة والمسبوق فيما يقضي كالمنفرد في حكم صلاته.
المسألة الثالثة: فيما إذا كان العدو في ناحية القبلة وصورة هذا الصلاة ما روي عن جابر بن عبد الله: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة فكبّر النبي صلى الله عليه وسلم وكبّرنا جميعاً ثم ركع وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحو العدو فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المتقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً ثم انحدر بالجسود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى فقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلّمنا قال جابر كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم أخرجه مسلم بتمامه وأخرجه البخاري طرفاً منه أنه صلّى الخوف مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوة السابقة غزوة ذات الرقاع. وبهذا الحديث أخذ الشافعي ومن وافقه فيما إذا كان العدو في جهة القبلة.
المسألة الرابعة: إذا اشتد الحرب والتحم القتال صلّوا رجالاً وركباناً يؤمنون بالركوع والسجود إلى أي جهة كانت هذا مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة أنهم لا يصلّون في هذه الحالة فإذا أمنوا قضوا ما فاتهم من الصلاة ولصلاة الخوف صور أخر مذكورة في كتب الفقه وليس هذا موضعها والله أعلم.
وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم} أي ولا إثم ولا حرج عليكم {إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} قال ابن عباس: رخص الله لهم في وضع السلاح في حال المطر وحال المرض لأن السلاح يثقل حمله في هاتين الحالتين {وخذوا حذركم} يعني راقبوا عدوكم ولا تغفلوا عنه أمرهم الله بالتحفظ والتحرز والاحتياط لئلا يتجرأ العدو عليهم قال ابن عباس: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه غزا بني محارب وبني أنمار فنزلوا ولا يرون من العدو أحداً فوضع الناس السلاح فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة حتى قطع الوادي والسماء ترش بالمطر فسال الوادي فحال السيل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه فجلس تحت شجرة فبصر به غورت بن الحارث المحابي فقال: قتلني الله إن لم أقتله ثم انحدر من الجبل ومعه السيف ولم يشعر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه وقد سل السيف من غمده وقال يا محمد من يمنعك مني الآن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله عز وجل ثم قال اللهم أكفني غورث بن الحارث بما شئت» فاهوى غورث ليضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم به فأكب لوجهه من زلخة زلخها فندر السيف من يده فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ السيف ثم قال: «يا غورث من يمنعك مني الآن؟ فقال لا أحد فقال أتشهد أن لا إله إلاّ وأن محمداً عبد ه ورسوله وأعطيك سيفك فقال: لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبداً ولا أعين عليك عدواً فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه فقال غورث لأنت خير مني فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجل أنا أحق بذلك منك» فرجع غورث إلى أصحابه فقالو له: ويلك يا غورث ما منعك منه فقال والله لقد أهويت إليه بالسيف لأضربه به فوالله ما أدري من زلخني بين كتفي فخررت لوجهي وذكر حاله لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وسكن الوادي فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوادي إلى أصحابه وأخبرهم الخبر وقرأ هذه الآية: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى} قال ابن عباس: كان عبد الرحمن بن عوف جريحاً فنزلت فيه أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم يعني من عدوكم {إن الله أعد للكافرين عذاباً مهيناً} يعني يهانون به.


قوله عز وجل: {فإذا قضيتم الصلاة} يعني فإذا فرغتم من صلاة الخوف {فاذكروا الله} يعني بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وأثنوا على الله جميع أحوالكم {قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم} فإن ما أنتم عليه من الخوف جدير بالمواظبة على ذكر الله عز وجل والتضرع إليه.
(ق) عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه وقيل المراد بالذكر الصلاة يعني فصلّوا لله قياماً يعني في حال الصحة وقعوداً في حال المرض وعلى جنوبكم يعني في حال الزمانة والجراح {فإذا اطمأننتم} يعني فإذا أمنتم وسكنت قلوبكم. وأصل الطمأنينة سكون القلب {فأقيموا الصلاة} يعني فأتموها أربعاً فعلى هذا يكون المراد بالطمأنينة ترك السفر والمعنى فإذا صرتم مقيمين في أوطانكم فأقيموا الصلاة تامة أربعاً من غير قصر. وقيل معناه فأقيموا الصلاة بإتمام ركوعها وسجودها فعلى هذا يكون المراد بالطمأنينة سكون القلب عن الاضطراب والأمن بعد الخوف {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} يعني فرضاً موقتاً والكتاب هنا بمعنى المكتوب يعني مكتوبة موقتة في أوقات محدودة فلا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أي حال كان من خوف أو أمن وقيل معناه فرضاً واجباً مقدراً في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين.

17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24